تحريــر : د/سمية ابراهيم مصطفي استشاري علم النفس
يختلف الناس من حيث القدرة على التعبير عن الرأي و رفض أمر ما، فهناك من يستطيع التعبير عن رائه بكل قوة ؛ فيمكنه قول (لا) بكل يسر، وهناك على النقيض منه النوع الذي يواجه صعوبات نفسية في التعبير عن مشاعره ورائه ،فهؤلاء يصعب عليهم قول (لا)، فتراهم يجيبون دائما ب (نعم ) ؛ ساعين لارضاء الاخرين وكسب ودهم وتجنب شرهم؛ هذا النمط من الشخصية يعرف بالشخصية الارضائية.
فماهي الأسباب التى تدفع صاحب هذا النمط لقول( نعم )مكرها وهو يود أن يقول (لا)؟
فقدان الثقة بالنفس مؤشر لشخصية ارضائية
تفتفر الشخصية المذعنة للاخرين للثقة بالنفس وتعاني من قلة تقديرها لذاتها ، لذلك فهي تقبل الخنوع والاستسلام لأنها ترى ان هذا هو الوضع الذي تستحق ، ويمكن ان تنفذ طلبات الاخرين وتحقق أهدافهم لظنها بأنها غير مؤهلة للتفكير ووضع أهداف خاصة بحياتها.
وقد تكون اعتادت التسلط من الوالدين منذ طفولتها ،فلا تستغرب أن تلاقي التسلط من أي شخص اخر .
الاحتياج العاطفي :
يرغب الشخص الارضائي في ارضاء الاخر وعدم خذلانه وذلك في الغالب بدافع الاحتياج العاطفي والشعور بالوحدة والخوف من خسارة الاخربن ان رفض طلباتهم ،فينفذها مرغما لكي يستبقيهم في حياته.
انعدام الوعي بوضع الحدود:
الشخص الذى يرضخ لأوامر الاخرين السيئة ؛ قد يكون يفتقر لقيم خاصة به أو مباديء ، كما انه لم يتعلم وضع حدود صارمه في علاقاته الانسانية والمهنية ؛ وهو للأسف لم يدرك مدى خطورة السماح للاخرين بتجاوز حدوده ومساحته الشخصية.
نمط التربية المثالي:
الشخص الذي يحرص على مساعدة الناس في كل حين ، ويرفع شعارات الايثار دون تقييد ومهما كان الحال ، قد يكون مدفوعا بسعيه للكمال و بالتربية المثالية التي تلقاها من مؤسسات التربية المختلفة من (والدين الى مدارس أو دور عبادة )،التي قد تقدم نموذجا غير متزنا للاخلاق ، فتكون النتيجة تفريط في حق النفس وافراط في المثالية.
الرغبة في المسايرة والبعد عن المواجهات:
يتجنب البعض المواجهات وكل المواقف التي قد تحوي جدالا ونقاشا ، أو قد تحتمل ارهاقا نفسيا من أي نوع ، فيهرعون الى قول (نعم) تجنبا للضغط أو التوتر ،فيريحون أدمغتهم بقول (نعم) ، حتى يغلقوا كل ابواب المناقشات ويحتمون بها من دوامة الجدال المزعجة .
سلبيات الشخصية الارضائية:
يعاني اصحاب هذا النمط من الشخصية من قلق زائد و شعور بالذنب يتنامى باستمرار، قد يتعرض لفرط التفكير وشعور بالاجهاد المزمن وعدم الرضا عن الذات مهما حقق من انجازات.
بالنسبة لعلاقاته الاجتماعية يعاني من مشكلات كبيرة ويكون عرضة للوقوع في براثن النرجسيين وعلاقاته في الغالب سامه و حتى في مهنته يعاني من مشاكل تحول دون تحقيق طموحاته المهنيه .
يمكن للشخصية الارضائية بالتعليم والتدريب لوحده أو بمساعدة الاختصاصي النفسي أن يصل الى الاتزان النفسي المنشود الذي يمكنه من اقامة علاقات اجتماعية مهنية صحية توصله للثقة بالنفس والرضا الذاتي.
مرفأ أخير:
قال لي
إنّ أجمل(لا) قلتها في حياتي..قلتها لوالدي الذي كان يرفض زواجي من زميلتي بحجة تافهة ويريدني الزواج من ابنة اخيه الثري.
فقد واتتني الشجاعة و حملتني قوة الحب العفيف الذي استمر سنوات فقلت له بكل هدوء :
(انا آسف يا والدي الحبيب ؛ ارضيتك من قبل و قلت (نعم) فتركت رغبتي في الالتحاق بالمدرسة الصناعية ، ثم قلت( نعم ) و قبلت دخول كلية الهندسة المدنية ، رغم رغبتي في دراسة الميكانيكا ،قلت لك (نعم) حين قررت ان اعمل بمؤسسة حكومية في نفس المدينه التى نسكن فيها ، وقد كانت رغبتي أن أعمل بشركة خاصة ثم أسافر خارج البلاد حيث المستقبل الذي اطمح به .
أما الآن ...حان وقت (لا ).سأقول لا وأريدك ان تعلم اني لن اتراجع عنها..
احترم رغبتك واعرف انك تريد مصلحتي ، ولست ارفض ابنة عمي ،لعيب بها وان اختيارك لها كان من الممكن ان يسعدني لو لم التق زميلتي واحبها. أجل يا والدي ..
انا احبها لانها تربت في اسرة كأسرتنا ...احببتها لأخلاقها.. ذات الاخلاق التي اكتسبتها منك..
اسمح لي أن اتزوج بمن اختارها عقلي وقلبي وأنا اعدك ستسعد باختياري في مقبل الأيام).
كان صمت أبي مهيباً، لكنني تزوجتها، الآن أنا فخور بنفسي و سعيد بتلك ال(لا ) التي غيرت منى وجعلت علاقتي بأبي أفضل كثيرا، فصرت أحبه اكثر مما كنت أخشاه ، وقد اعترف لي مؤخراً (ان اختياري لزوجتي قد كان صائباً فالحمدلله على (لا) ..قلتها في وقتها تماماً.