عندما نقرأ مجتمعاتنا العربية الحالية قراءة موضوعية بشكل علمي ودقيق نجد أن علاقة الأب بابنته علاقة خاطئة، علاقة مشوبة بمنهج خاطئ وذلك لأن علاقة الأب بابنته في مجتمعاتنا ترتكز على أمرين أثنين هما:
الأمر الأول- الدراسة ومتابعة التحصيل العلمي: إن الأب يركز كل جهوده على حث ابنته على أن تتفرغ لدراستها ولمعدلها ولمستواها الدراسي، ولذلك يقوم الأب بتوفير جميع وسائل الراحة ووسائل العيش الرغيد لابنته حتى لا تنشغل عن دراستها وحتى لا تنشغل عن مستواها بأي شيء من الأشكال، بل أن الأب يعامل الفتاة كطفلة مدللّة إلى أن يحين موعد زواجها، يشعرها بفنون وألوان الراحة حتى تنتقل من بيته وهي راضية عنه ومرتاحة منه.
الأمر الثاني- العلاقة بينهما علاقة رعاية: إن جوهر معاملة الأب لابنته هو معاملة رعاية لا معاملة المشاركة، ما معنى هذا الكلام؟!
إن الأب في مجتمعاتنا العربية لايعتبر ابنته شريكة في حياته وشريكة في قراراته وشريكة في همومه أبداً، فالبنت مهمشة في الهموم والقرارات، الأب يتداول قرارات قضايا الأسرة مع زوجته، يتداول قضايا الأسرة مع أولاده، لكنه لا يتداول قضايا الأسرة مع ابنته، البنت مهمشة من هذه الجهة, بحجة أنها غير معنية ودعوها تستأنس بشبابها وحيويتها إلى حين موعد زواجها لا تشغلوا بالها بأي هم أسري وبأي هم اجتماعي أخر، الأب يتعامل مع البنت كطفلة ليس لها دخل في هموم الأسرة وليس لها دخل في قرارات الأسرة، وبالتالي ليس لها دخل في الحياة الاجتماعية العامة.
وهنا يمكن طرح السؤال الجوهري الآتي: لماذا ينظر الأباء إلى الفتيات بهذه النظرة “أن الفتاة طفلة إلى أن تتزوج”؟!وللإجابة يمكن القول في الحقيقة لأننا كمجتمعات عربية نعيش لونين من الثقافة هما على النحو الآتي:
اللون الأول: أننا نرى أن السيادة للرجل، الرجل هو السيد القائد وليست المرأة، فبما أن السيادة والقيادة في القرارات الأسرية والاجتماعية للرجل ولا نصيب للمرأة من هذا المنصب فلا داعي للإزعاج وإشغال البال بإشراك المرأة وإقحامها في الهموم الأسرية والاجتماعية لأنها لاحظّ لها من هذا المنصب “منصب السيادة والقيادة”.
اللون الثاني: أن البيت الذي تعيش به البنت ليس بيتها وإنما بيتها بيت زوجها، بما أنها معدّة لبيت أخر فلا داعي لإشغالها بهموم هذا البيت وقضايا هذا البيت فلتبقى منعمة مدللّة مرتاحة لآخر درجة، إلى أن يحين موعد زواجها.
وكلا هاذين التصورين في الواقع تصور خاطئ، لماذا؟ ,ما هو الدور المنتظر من الفتاة؟، نحن ماذا نريد من الفتاة؟! ما هو الهدف الذي نطمح أن تصل الفتاة إليه؟! ما هو الدور المنتظر لهذه الفتاة؟! هل أن الدور المنظر لهذه الفتاة أن تنتقل إلى بيت زوجها فتصبح كأحد الأجهزة التي تعمل في البيت كجهاز الغسالة والمكنسة وغيرها من الأجهزة؟!!، تصبح هذه الفتاة أحد الأجهزة التي تخدم الزوج وتريحه لينام على الوسادة الناعمة مستقر مطمئن!!، هل هذا هو الدور الذي ننتظره لفتياتنا وبناتنا؟! أم أننا ننتظر دور أخر؟!
من خلال هذه الأسئلة يمكن التوصل غلى نتيجة مفادها أنه يتوجب على الآباء أن ينظروا إلى الفتاة كعضو فاعل في بناء المجتمع وفي بناء كيان الأسرة، لأنه لا يوجد فرق بين الذكر والأنثى من حيث مساهمتهما في بناء الكيان الأسري حيث لا يوجد آية ولا رواية تخص بناء المجتمع وبناء الكيان الأسري بأحد الجنسين دون الأخر، كلاهما إنسان يعمل في بناء الكيان الأسري حسب صفاته الجسمانية التي أعطاه الله سبحانه تعالى اياها لتتناسب مع الدور المنوط به، والذي هو متمم للدور الذي يقوم به الطرف الآخر وليس بديلاً عنه، فإذا كان هذا هو الدور المنتظر للفتاة فلا بد من إعدادها لهذا الدور وهي في بيت أبيها وهي فتاة و منذ نعومة أظفارها، وذلك من خلال جلوس الأب معها ومناقشتها بقضايا الأسرة و المجتمع والاصغاء لرأيها ليجعلها تعي ما تعيشه و ما يعيشه الآخرون، وتتعلم ما يدور حولها من موضوعات وقضايا وبشكل خاص الموضوعات والقضايا التي تعنيها بشكل مباشر وتتطلب منها اتخاذ قرارات مناسبة للتعامل معها.
لأن حديث الأب مع ابنته مهم جداً جداً وينعكس بشكل ايجابي على حياتها، فهو يعطيها الثقة بنفسها، يعطيها الثقة بشخصيتها يجعلها شخصية ذات قرار يجعلها شخصية واثقة من نفسها، شخصية قادرة على العطاء قادرة على البناء قادرة على أن تبني أسرة فاعلة في المستقبل وتساهم في بناء المجتمع ، وبالتالي يتوجب أن تكون علاقة الأب بابنته علاقة مشاركة لا علاقة رعاية فقط، ليؤهلها بشكل صحيح لتكون قادرة في المستقبل على القيام بدور اجتماعي مؤثر وفعال.
وليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. فالرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يتعامل مع ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام كطفلة مدللّة، بل أقحمها في قلب الأحداث، وذلك من خلال اقحامها في قلب المعركة التي كان يخوضها صلى الله عليه وسلم من أجل تبليغ رسالته، فالرسول صلى الله عليه وسلم صنع من ابنته فاطمة الزهراء شريك في بناء الدولة الإسلامية، وعضو فاعل في بناء كيان الدولة الإسلامية، و فاطمة الزهراء عانت مع أبيها صلى الله عليه وسلم كل آلامه و جراحه، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المشركين ويعود مثقل منهك بالجراح والآلام وابنته فاطمة الزهراء هي التي كانت تستقبله و تمسح جراحه و تخفف آلامه و تداريه و تداويه، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتبرها جزء من معركته لذلك كان يصارحها بهمومه و غمومه ويلقي عليها ما في قلبه، وكانت تخفف عنه وتبذل له طاقة من العطف والحنان لذلك لقبها ب «أم أبيها»، قال: ”فاطمة أم أبيها“. وكانت أول من يستقبل الرسول ابنته فاطمة، وأخر من يودعه كما كانت تشاطره أيضاً مسيرته المباركة في أداء الرسالة، إذن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل ابنته معاملة المشاركة ولم يعاملها معاملة الرعاية فقط. ومن هنا يتوجب على الآباء أن يقتدوا بالرسول الأعظم في علاقتهم مع بناتهم.
صفاء قدور (صحيفة المرأة)